امتلأ صيف 2012 بتقارير متعددة تتحدث عن اعتقالات وإدانات لمدونين وناشطي حقوق إنسان. حملة القمع هذه بدأت في أيار (مايو) حين تم اعتقال ناشطي حقوق انسان ومحامٍ أثناء محاولتهم الالتقاء بعمال نفط مضربين في اثنين من أهم حقول النفط العمانية. في بداية حزيران (يونيو)، تم اعتقال ثمانية مدونين وكتاب وهو يوثقون الاضرابات وقلة الاصلاحات الجدية منذ 2011. وفيما قبع بعضهم في الحبس الانفرادي، ومنعت عوائلهم ومحاميهم من الحصول على أية معلومات عن أماكن تواجدهم، فإن الثلاثين عمانياً الذين تظاهروا بسلام للمطالبة بالافراج عنهم تم اعتقالهم في الحادي عشر من حزيران. منذ بداية تموز (يوليو) 2012، تم اعتقال أكثر من أربعين طالباً جامعياً، وكاتباً، وصحفياً، وناشط حقوق انسان، ومحامياً – تعرض بعضهم لسوء معاملة نفسية وجسدية تصل إلى درجة التعذيب- وتم إصدار أحكام بحبسهم لسنة أو أكثر مع تغريمهم مبالغ مالية طائلة بعد اتهامهم بالتحريض على "إثارة الشغب" و"الانفلات الأمني"، و"خرق قانون جرائم المعلومات"، و"إهانة السلطان."
لقد شهد ربيع 2011 أوسع احتجاجات تمر بها سلطنة عمان منذ انتهاء حرب ظفار في السبعينات. مع ذلك، فقد سارع الكثير من المراقبين بالقول إن الحاكم لم يكن هدف هذه الاحتجاجات، وأنه أظهر نفسه "متجاوباً مع القلق الشعبي،" وأن إدارته للأحداث فسرت لماذا " انتهى العنف بالسرعة التي بدأ بها." هذه الاستنتاجات- والتي يمكن أن نقول إنها جاءت مبكرة في ضوء أحداث 2012- أساءت قراءة "الربيع العماني" بشكل جزئي، وغفلت عن النتيجة الأساسية له. إنه من الواضح أن الاحتجاجات لم تتطور بنفس الكثافة والمقياس الذي تطورت به الانتفاضات الأخرى في العالم العربي. ولكن "الربيع العماني" أفرز نتيجة لا تقل أهمية أو دلالة لمستقبل السياسة العمانية وهي: نزع القداسة عن السلطان قابوس.
طلب مساعدة مهمل
لقد كان للديناميكيات الاقليمية تأثير واضح على الأحداث التي هزت السلطنة منذ 2011، وهي بلد تُمنع فيه الحركات السياسية، وتتطلب التجمعات الشعبية إذناً مسبقاً من السلطات. وبعيداً عن صورة "السلطنة النائمة،" والتي تُقدم عمان عادة على أنها جزيرة التطور الآمن تحت "القيادة الحكيمة لوالد الأمة،" قابوس بن سعيد، فإن صوت المجتمع المدني بدأ يعلو شيئاً فشيئاً منذ سنوات مؤشراً الأخطاء الاقتصادية والسياسية في النظام. إن النتائج المحدودة لسياسات العومنة، والبطء في عملية تنويع موارد الدخل تظهر في التفاوت الاجتماعي المحزن، والبطالة والفقر المزمنين الناتجين من سياسات تحرير السوق والخصخصة. لقد انخفض معدل العومنة في القطاع الخاص من 18.8 بالمئة في نهاية 2005 إلى 12.2 بالمئة في آب (أغسطس) 2012. تظهر التوقعات معدل بطالة مستمراً بحدود عشرين بالمئة في أوساط المواطنين، وما يقرب من خمس وعشرين بالمئة في أوساط الشباب من عمر ثمانية عشر إلى أربعة وعشرين عاماً. هذه الأرقام تغفل ما يمكن أن يعد نسبة كبيرة من العمالة الناقصة خصوصاً في المناطق الريفية. وحين اندلعت الاحتجاجات في كانون الثاني (يناير) 2011، كانت نسبة العمانيين العاملين في القطاع الخاص والذين يحصلون على دخل أقل من الدخل الرسمي الشهري ( مئتي ريال عماني) تبلغ سبعين بالمئة. كما ارتفعت كلفة المعيشة بشكل متزامن، فمن المستحيل الآن أن تجد شقة بغرفتي نوم للايجار بأقل من أربعمئة ريال في الشهر في عمان وأقل من مئة وخمسين ريال عماني في عبري أو صور.
الأكثر من هذا أنه من المعتاد الآن أن تسمع العمانيين يشتكون من أن أعضاء الحكومة، والنخبة الاقتصادية القريبة من الحكومة قد حصلوا على نفوذ كبير في عملية صنع القرار مما سمح لهم أن يستغلوا هذا الوضع لمصالحهم الشخصية. لقد عزز هذا الانغماس من قبل النخبة الصانعة للقرار في قطاع الأعمال صورة النخبة الفاسدة في أعين العامة، المنشغلة بحماية امتيازاتها في الوقت الذي تُخرس فيه كل الألسنة التي تسأل عن تضارب المصالح بين مصلحة البلاد العامة التي من المفترض أن تحميها النخبة – كسياسات العومنة- والمصالح الخاصة التي يدافع عنها رجال الأعمال.
لقد وجدت الهموم السياسية أيضاً تربة خصبة لتنمو فيها. فقد نتج عن حملة اعتقالات في عام 2005، في صفوف مسؤولين عسكريين ومدنيين رفيعي المستوى عن سجن ما يقرب من أربعين شخصاً. وكانت التهمة هي العضوية في منظمات سرية تهدف للإطاحة بالنظام. ومنذ 2005، نشأت منتديات على الانترنت يستخدم فيها أغلب المشاركين أسماءهم الحقيقية مروجين دعوات لنقاشات سياسية واجتماعية حول المجتمع العماني. ورغم التضييق المنهجي والاعتقالات في صفوف الصحفيين والناشطين على الانترنت- مثل الصحفي المستقل علي الزويدي الذي اعتقل لانتقاده الحكومة وتوفيره أدلة على فساد أعضاء الحكومة في 2009- فإن الروايات عن ممارسات الفساد والتزوير من قبل أعضاء بارزين في النظام (باستثناء الحاكم) أصبحت أمراً معتاداً. في صيف 2010، استغل مثقفون وناشطو حقوق انسان فرصة الذكرى الأربعين لتولي قابوس العرش ليقدموا له التماساً على الانترنت، طالبوا فيه بعمليات إصلاح واسعة كإصدار "دستور جديد" يقود إلى ملكية دستورية ويضع قواعد تحكم عمل المسؤولين الحاليين.
اعتمدت شرعية السلطان قابوس منذ السبعينات على استيعاب كل عمان في "الدولة" وهو ما لا يزال مثالاً بارعاً على التطور الاقتصادي والاجتماعي، ومن ثم اختزال "الدولة" في شخص قابوس نفسه. ومع الانجازات المذهلة في مجالات التكنولوجيا، والاقتصاد، والتطور الاجتماعي منذ السبعينات، فقد تم إعادة صياغة صورة قابوس التاريخية على أنه التجسيد الحي لعمان. ينظر عادة لتاريخ ما قبل السبعينات على أنه المعنى المناقض للثالث والعشرين من تموز( يوليو) 1970، وهو تاريخ جلوس قابوس على العرش، والذي أطلق عليه فيما بعد يوم النهضة ( عيد النهضة). يهدف هذا التوجيه السياسي للتاريخ "لتطبيع" حكم قابوس. حتى الآن، كان السلطان هو مصدر كل القوانين، ولم تكن هناك إمكانية للاستئناف ضد قرارات الحاكم. إن المادة 41 من القانون الأساسي لعام 1996 تنص صراحة على أن هذا الشخص مصون، وأن احترامه واجب، وأن قراراته يجب أن تطاع. إن الشخصنة الحادة التي صبغت النظام السياسي العماني منذ 1970 قد طبعت الكثير من العمانيين على فكرة أن مصير كل المواطنين معتمد على النوايا الطيبة لقابوس.
وضمن هذا التفكير، فإن مختلف التعبيرات عن الوعي السياسي في فترة ما قبل 2011 كانت طلبات عون موجهة للسلطان من قبل مواطنين قلقين على مستقبلهم وغير قادرين على مواجهة متطلبات الحياة يوماً بعد آخر. ترجمت السلطات هذه المناشدات بهذا الشكل وأخذتها على أنها أجراس إنذار متكررة. ورغم ذلك، فإن مظاهرات مسقط في كانون الثاني( يناير) 2011، والجو العام من الاحباط الذي أشعل النار في صحار في فبراير، أخذ السلطات على حين غرة مخالفاً كل التوقعات. إن النظام لم يثبت فقط أنه عاجز عن التنبؤ بتلك التظاهرات، ولكنه فشل أيضاً في فهم أن أعمال الاحتجاج هذه مثلت صرخة إحباط- كما هو واضح في قائمة المطالب التي رفعت في دوار صحار في الأيام الأولى للمظاهرات والموجهة لقابوس شخصياً. وهكذا، فإن المطالب الأساسية للاضرابات والمظاهرات تمحورت حول فرص العمل والإجراءات الفاعلة لكبح جماح الأسعار المتزايدة والتفاوت بين الطبقات، ولكنهم طالبوا السلطان أيضاً أن يتدخل شخصياً ليحارب الفساد في أوساط الطبقات العليا من مسؤولي الدولة.
لم تتم الاستجابة بعد لطلبات المساعدة هذه الموجهة للحاكم، ولم ينتج عنها أي إصلاح يذكر. في عام 1994 وعام 2005، أخذ النظام زمام المبادرة عن طريق بدء حملة أمنية قاسية في أوساط المثقفين وناشطي المجتمع المدني. كان الهدف من الحملة هو التأكيد على أن أي تعبير عن رأي خارج عن الخطاب الرسمي يبقى محرماً وأن الرد سيكون بلا رحمة. ولكن في 2011، كان النظام يجر قدميه خلف مطالب المحتجين. لقد توهم النظام أن بمقدوره أن يستعمل نفس الوصفات القديمة، أي أن يقمع بلا رحمة ويقوم في الوقت ذاته بعمليات إصلاح تجميلية ليكسب أمناً إجتماعياً. تم توظيف بعض الاستراتيجيات السياسية لمواجهة هذا الحشد في 2011- التلاعب بالهوية المحلية والأمور القبلية لاظهار المطالب وكأنها دعوات انفصال- و اتبع سياسة تهدف لمنع انتشار الحشود: إدخال أصوات بديلة، ومبادرات الحاكم الكيفية للتعبير عن حسن النية ( كزيادة الدخل الشهري بنسبة أربعة وثلاثين بالمئة في منتصف فبراير 2011، والاعلان عن إعطاء دخل شهري للمسجلين كباحثين عن عمل، وخلق خمسين ألف فرصة عمل جديدة في القطاع العام في أواخر شباط- فبراير)، والادعاء أن أصوات الاحتجاج المستقلة واقعة تحت نفوذ خارجي في محاولة لتجريدها من المصداقية تحت ذريعة متطلبات الحفاظ على الوحدة الوطنية خلف الحاكم، وفصل بعض الموظفين الرفيعين لجعلهم أكباش فداء وتحميلهم مسؤولية فشل النظام- ولكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل. لقد فشلت هذه القرارات التي كانت تهدف إلى التأكيد على محورية السلطان في الوحدة الوطنية ومحاربة الفساد، ولتعزيز شرعيته عن طريق التركيز على اهتمامه بمطالب شعبه وطموحاتهم في الفت في عضد المحتجين.
حين دخلت القوات السعودية والاماراتية البحرين في الرابع عشر من مارس 2011، أصدر قابوس أمراً ملكياً يعلن فيه عن عزمه على إعطاء مجلس عمان سلطات تشريعية وتنظيمية أوسع. وقد أصبح واضحاً أن السلطان، ونظرائه في مجلس التعاون الخليجي، لا يعتزم الذهاب إلى ما يعتبره بشكل أساسي خطاً أحمر، وهو الحفاظ على سلطاته السياسية ( التي تشمل السلطات التشريعية والتنفيذية) كحق شخصي غير خاضع للنقاش. إن قانون الحد من جرائم الانترنت الذي صدر بأمر ملكي في شباط( فبراير) 2011، والتعزيز الكبير لمدى عمل الادعاء العام يضمن السلطات والنفوذ الشخصي اللذان يتمتع بهما المفتش العام للشرطة والكمارك بمرسوم ملكي في مارس 2011، والتشديد في المادة 137 من قانون العقوبات المعدلة بمرسوم ملكي في تشرين الأول( أكتوبر) 2011، والتي تنص على أن "أي شخص يشارك في تجمع يضم على الأقل عشرة أشخاص بنية تهديد النظام العام، يتعرض للحبس مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد عن سنة." تؤكد كلها طبيعة الرد الأمني للنظام.
من التوقعات إلى التحرر من الوهم
دفع هذا الرد القمعي من قبل النظام الكثير من العمانيين إلى وهدة الاستغراب. حتى هذه اللحظة، لم يكن العمانيون قد رأوا انتقادات علنية للسياسات تندلع في الشوارع. على خلاف ذلك، فقد اعتادوا منذ أربعين عاماً على الاعتماد على تطمينات الشخصية الأبوية "بابا قابوس" ليحكم في ويحل كل القضايا العامة. من أكثر الأشياء التي أزعجت العمانيين هذا الوصف المتكرر من قبل مسؤولين بارزين في الدولة للمتظاهرين بأنهم "جانحون" و"مخربون"، إضافة إلى الحكم على أكثر من مئة شخص من كافة أنحاء الدولة بالسجن بتهم ملفقة تشمل "حيازة مواد بغرض صناعة متفجرات لنشر الارهاب." هؤلاء الأشخاص هم، في واقع الحال، أقرباء وجيران أو أعضاء في مجتمع أوسع يطالب بكل بساطة بحياة أفضل. كما لم يكن مفهوماً قلة الظهور العلني لقابوس وفشله في مقابلة المتظاهرين في 2011. إن قراره بالجلوس في قصره في منح أبرز بوضوح عدم رغبته في تحدي صورته كحكم فوق المشاكل اليومية، أو أن يخاطر بتقويض مكانته إذا هو واجه نقداً علنياً من الشعب. إن هذا التردد في كشر المحرمات في قضايا رئيسة لم يفعل شيئاً سوى إشعال المزيد من القلق حول الافتقاد إلى نظرة اقتصادية وسياسية بعيدة المدى.
لقد أسهم رفض قابوس في تعيين رئيس وزراء ووضع الأساس لعمان ما بعد قابوس في زيادة القلق الشعبي، وأصبح النقد المباشر للسلطان مألوفاً بشكل متزايد في المظاهرات الشعبية. ففي صلالة، شكك المتظاهرون علناً في مسؤولية الحاكم عن سوء الإدارة المالية قائلين ( إن كنت لا تدري ] بسوء الادارة[ فتلك مصيبة، وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم)، كما أنهم هددوه بشكل ضمني حين أشاروا إلى حرب ظفار ("من ينسى حرب السبعينات يجب ان يفكر في أحفاد الأحرار"). لقد عبر الناشطون الذين كانوا مقتنعين برغبة الحاكم في الاصلاح عن تحررهم من الوهم بأن النظام سيتجاوب مع دعوات المجتمع للعون. يوضح أحد المدرسين قائلاً:
قابوس رجل كبير السن، إنه رجل وحيد ولم يعد يفهم بلده جيداً. هو لا يثق بأحد، يثق فقط في حلقة ضيقة من الأفراد الذين يقدمون له التقارير حول الوضع في البلاد ]...[ وأخشى أنه سيبدد كل ما بناه و كل التأييد الشعبي الذي جمعه طوال أربعين عاماً. أنا أؤيد تسمية رئيس للوزراء أو ولي للعهد بأسرع ما يمكن، حتى يحتفظ قابوس بالصورة التي بناها لنفسه "كخليفة الله على الأرض."
إن الحاكم الذي فصل في عام 2011 وزراء رفيعي المستوى وضحى بهم سياسياً لم يعد لديه من يلومه حتى يهدئ الرأي العام ويخفف من غضب المحتجين. إنه الآن على خط النار كما تشهد بهذا النكات العديدة التي يزخر بها الفيسبوك: فقد انتشرت قصص التضييق الأمني، والانتهاكات لأبسط حقوق الانسان، والادانات لوجود دولة الأمن والبوليس بشكل كبير على الانترنت والتويتر. لقد تم، وفي عجالة، اعتقال كتّاب الانترنت والمحتجين الذين ينتقدون علناً ممارسات الحاكم- وبشكل خاص قربه من المصالح البريطانية والأمريكية وإدارته للمدخول النفطي- والحكم عليهم بالسجن لإهانة صاحب الجلالة. إن عملية إضفاء الشرعية على النظام، والتي استمرت منذ سنوات طويلة، المبنية على تعريف عمان العصرية على أنها قابوس، بدأت بالاهتزاز ويتم نقدها علناً في المدونات بأقلام الناشطين الذين يفرقون الآن بين النظام الحاكم والأمة العمانية. إن الانتقادات ضد الحاكم وسلطاته والقلق على مستقبل البلاد يعبر عنه بشكل صريح بإسم عمان. لقد ذهب أحد الناشطين إلى حد أنه اعتبر الحاكم المشكلة وليس الحل:
أردنا في عام 2011 أن نفهم ما هي العلة التي تعاني منها البلاد. أردنا أن نزيح النخبة الفاسدة ] حول السلطان[ من النظام السياسي ونرى إذا كان هذا سيحل المشكلة. استطعنا أن نجبر هذه النخبة على الرحيل..ولكننا فهمنا سريعاً أن الجسد ما زال مريضاً بشكل كبير.
إضافة إلى هذا، فقد ظهرت رسوم جرافيتي على الجدران في صحار تدعو إلى الإطاحة بالسلطان. لقد أصبح المدعي العام الذي تعين بموجب مرسوم سلطاني في 2004 أكثر الشخصيات المكروهة في النظام. إن تصريحات المدعي العام المتكررة منذ يونيو 2012 تبدو وكأنها تنتمي لعهود غابرة، فقد قال إنه سيتخذ "كل الاجراءات القانونية المناسبة" ضد الكتاب والمشاركين في الاعتصامات الذين يعملون "ضد القيم والأخلاق للمجتمع العماني" و يحاولون " المس بالوحدة الوطنية والصالح العام،" وهذا يؤكد التشوش الحاصل عند السلطات في مواجهة تطور فشلت في توقعه ألا وهو: التفكيك المستمر في أسطورة أن قابوس هو تجسيد لعمان المعاصرة.
وكنتيجة لانعدام الرغبة في التجاوب مع الدعوات العديدة للمساعدة من قبل رعاياه، فقد هوى السلطان قابوس من مكانته الرمزية. إن الرواية الرسمية التي تشدد على أن من واجب العمانيين أن يدينوا بالولاء لبابا قابوس بإسم فكرة النهضة تبدو وكأنها اسطوانة مشروخة لم يعد أحد يستمع إليها في بلد وُلد ثمانية وأربعون بالمئة من سكانه بعد 1970، وسبعون بالمئة بعد 1980. إن المجتمع العماني المدني الشاب مكون من رجال ونساء متعلمين، لا يوافقون على التنازل عن حقهم في أن يكون لهم دور في القرارات السياسية والاقتصادية في بلدهم، كما فعل آباؤهم باسم الرفاه الاجتماعي أو لمتطلبات الوحدة الوطنية خلف الحاكم. الكثير من العمانيين يؤمنون الآن أن السلطان يجب أن يعتبر مسؤولاً عن قرارات ستؤثر على أجيال عديدة في عمان ما بعد قابوس. وكما لخص هذا أحد الناشطين في صحار، " لقد أصبح قابوس شخصاً كسائر الأشخاص، إن بإمكانه أن يخطئ كأي فرد آخر.."
لا حاجة للقول إن قابوس لا يزال، حتى الآن، المرشح الوحيد للسلطة. ولكن إذا كان "الربيع العماني" قد أنجز شيئاً، فإنه قد نزع القداسة عن السلطان قابوس. هذا التغيير الدرامي في العلاقة بين المجتمع وقيادته يواجه السلطان قابوس بتساؤلات غير مسبوقة ويجبر السلطان على إعادة تقييم أساليب أضفاء الشرعية بشكل عام. إن هذا التصادم الحاد مع الواقع "لخليفة الله على الأرض" يؤشر وبشكل أكيد على بداية فصل جديد في تاريخ عمان وعملية اضفاء الشرعية على الحكم الاستبدادي.